عددهم ليس بالقليل، فقد مثلوا نسبة معتبرة ضمن قرابة ثلاثين ألف حاج جزائري أدوا مناسك الفريضة الخامسة، هذا العام، وضررهم كان كبيرا على أنفسهم وعلى مرافقيهم في الغرف وفي حق المقدسات.
هي حكاية المئات من الجزائريين، الذين منّ الله عليهم هذا العام بأداء فريضة الحج، ولكنهم عجزوا عن أن يمنّوا على أنفسهم بنعمة الإقلاع عن تعاطي السجائر والشمّة أيضا، غالبيتهم من كبار السن، الذين قضى بعضهم قرابة نصف قرن في التدخين وتعاطي الشمّة، وآخرون قالوا بأنهم جرّبوا كل وسائل الإقلاع عن هذه المضرات بالصحة وعجزوا، بل إن مناسكهم ستتضرر ولن يتمكنوا منها إن توقفوا عن التدخين حسب قولهم.
البداية كانت قبل الطيران إلى مطاري جدة والمدينة المنورة، حيث قام هؤلاء باقتناء كميات كبيرة من هذه المادة ودسوها في حقائبهم، فالذي يدخن علبة سجائر يوميا، أخذ معه أكثر من ثلاثين علبة، والذي يتعاطى كيس شمّة في اليوم، نقل معه أكثر من ثلاث علب، تحوي كلّ منها عشرة أكياس، ولكن المشكلة التي اعترضت هؤلاء هي لهفة الحجاج على هذه المواد، وهو ما جعل البعض منهم "يتكرّم" على زميل له أو مرافق له في الغرفة بسجائر و"رفعات" من الشمّة، فدخل في الأيام الأخيرة من المناسك في تيهان، خاصة بالنسبة لمتعاطي الشمة التي لا وجود لها في المملكة العربية السعودية.
الوضع لم يمر بسلام، فقد حدثت الكثير من المشادات بين المدخنين وغيرهم، لأن فوضى الإسكان العشوائي أوقعت أناس لا يعرفون بعضهم البعض في غرفة واحدة، وهناك من صُدم بوجود مدخن أو أكثر معه في نفس الغرفة، ووجد نفسه مجبرا على أن يعيش لمدة شهر في غرفة كلها دخان، ومنهم من طلّق الغرفة نهائيا، وصار يقضي ليلته نائما على أريكة أو حتى في المسجد النبوي أو المسجد المكي كافتراش زربية لتفادي رائحة السجائر، وما زاد في تعقّد الوضع أن المملكة العربية السعودية تمنع بيع السجائر علنا، ولكنها لا تمنع تعاطيها، وتوجد نسبة كبيرة جدا من السعوديين من يتعاطوا السجائر، أمام الملأ وفي كل مكان حتى في المشاعر المقدسة، إذ لا يوجد قانون يمنع ذلك، كما هو سائر المفعول في دول أوروبية وآسيوية عديدة، وما أنهك كاهل مدمني السجائر هو ثمنها المرتفع في حوانيت البقاع المقدسة إذ يبلغ سعر العلبة الواحدة 15 ريالا أي حوالي 750 دج من نوع مارلبورو، وهي تباع سرّا، وعلى المتعاطي أن يسأل ويتعب ليعرف باعتها، ويداوم بعد ذلك على شرائها من نفس المحل في السرّ والكتمان.
المدخنون شرحوا لـ"الشروق" معاناتهم أو عذابهم الصامت، حيث قال أحدهم والسيجارة تلاعب شفتيه وإصبعيه: "الناس يتهموننا بعدم احترام المكان، ولو علموا ما قمنا به لأجل تفادي التدخين لعذرونا، أقسم بالله أنني بمجرد أن أتوقف عن تعاطي السجائر يوما واحدا حتى أدخل في شبه غيبوبة"، ووعد الحاج القادم من وهران، بمعاودة المحاولة بعد عودته إلى أرض الوطن، ولكن في مكة المكرمة يفضل الحج وهو مرتاح بالسيجارة على أن يفقد وعيه في رحلة عمره، ولا يفهم آخر من البويرة لماذا يتهمونه بارتكاب المحرمات، وهو غير قادر على الإقلاع، ويطلب من منتقديه أن يقدموا له وصفة جادة للإقلاع، وليس ذبحه واتهامه بالكفر.
الشيخ عيّة الذي استنجدت به بعثة الحج لتقديم دروس في مكة المكرمة للحجيج الجزائريين داخل الفنادق، قال للشروق اليومي بأنه تعرّض للتهديد من أحد المدخنين الذي أمره بأن لا يتحدث إطلاقا عن حرمة التدخين، وإلا؟
السيد الذي هدّد الإمام توجه للحج رفقة زوجته، وهو يدخن منذ قرابة نصف قرن، وتحريم الشيخ عية للتدخين، وضعه في موقف حرج أمام زوجته حتى قلّ احترامها له، وشكّت في حجه.
إشترك بالنشرة البريدية
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء